الاستثمار الأجنبي.. لصالح من؟
مرام مكاوي – صحيفة الوطن
حضرت ندوة أقامتها كلية (ساوس) التابعة لجامعة لندن للاستماع إلى معالي محافظ الهيئة العامة للاستثمار الأستاذ عمرو الدباغ، الذي ظهر كمتحدث ممتاز وسفير مثير للاهتمام لبلاده ومؤسسته، فقد استطاع أن يجذب اهتمامنا الكامل طوال الساعة التي تحدث فيها. فقد ذكر بأن هيئة الاستثمار حققت الأهداف الأولية التي أنشئت من أجلها مثل مشروع ١٠ في ١٠ الذي يهدف إلى أن تحتل السعودية في العام ٢٠١٠ المركز العاشر عالمياً في ترتيب الدول صاحبة البيئة الأكثر جذباً للاستثمار. ولأن المملكة احتلت في العام الفائت المرتبة الثالثة عشرة بعد أن كانت تحتل (في العام ٢٠٠٤) المركز السابع والستين فإن المهمة التي بدت صعبة أو شبه مستحيلة قد تحققت تقريباً. فالاستثمارات تدفقت ولا تزال على البلاد مما سيخلق في النهاية حوالي مليون ونصف فرصة عمل في المملكة.
والمملكة العربية السعودية تتمتع بمزايا عديدة لكن ميزتها التنافسية الأهم عالمياً وإقليمياً التي تركز عليها الهيئة تتلخص في أمرين: النفط والموقع الجغرافي المتميز، وبالتالي فالعمل هو على جذب الاستثمارات لثلاثة قطاعات رئيسية: الطاقة والمواصلات والتعليم. وقد ركز الدباغ في حديثة على أن السعودية هي حالياً عاصمة "النفط" العالمية ولكنها تتطلع إلى أن تصبح عاصمة "الطاقة" وبالتالي تصبح قادرة على تصدير النفط ومصادر الطاقة الأخرى. وأنا أستغرب بأن ما قاله محافظ الهيئة يختلف عما هو مكتوب في صفحتها الرئيسية على الإنترنت حيث يقدم الموقع السعودية على أنها عاصمة "الطاقة" في نسختيها العربية والإنجليزية وهو أمر غير صحيح كما أوضح الرئيس.
ولا يمكن الحديث عن الهيئة دون ذكر المدن الاقتصادية التي تعتبر أشبه بمناطق التجارة الحرة أو المدن الذكية في دول أخرى. فهذه المدن ستكون متحررة من مشكلات البيروقراطية وضعف البنية التحتية وبالتالي ستكون جاهزة لاحتضان المشروعات الجديدة. وكمثال فإن الساكن في هذه المدن سيتمتع بشبكة إنترنت تبلغ سرعتها ١جيجا بايت. وذكر مدينة الملك عبدالله في ثول و(كاوست) كنموذج للمدينة الراقية الواعدة وللجامعات الجديدة التي تم جلب صفوة أساتذة الدنيا لها. فهذه المدن ستغير وجه البلاد كما ستساهم ببيئتها التي تم تصميمها بدقة في تغيير العقول أيضاً. وأخيراً تحدث عن كون المملكة تمشي في استراتيجية متكاملة فبرنامج الملك عبدالله للابتعاث يسير جنباً إلى جنب مع هذه التطورات، وبالتالي سيصبح لدينا مستقبلا الجيل السعودي المؤهل للمنافسة على العمل وإدارة هذه المشروعات العملاقة والاستثمارات العالمية.
أكاديمي بريطاني طرح سؤالاً عن ملايين الوظائف هذه..لمن هي؟ للسعوديين أم للعالم؟ وضرب (كاوست) كمثال على ذلك حيث لا تتجاوز نسبة السعوديين فيها ٨٪، وكان رد الدباغ بأن السعودة ليست من أهداف الهيئة، ولن يتم فرض نسبتها على المستثمر الأجنبي في هذه المدن، فالأولوية للكفاءة، والأفضل هو خلق المواطن السعودي الذي يملك المهارات العملية والوظيفية التي تجعله مؤهلاً للمنافسة في سوق العمل، ولعل هذا يفسر لماذا أن قسم التوظيف على صفحة الهيئة نفسها يستعمل اللغة الإنجليزية فقط.
طالبة صينية طرحت سؤالاً عن مدى تشابه هذه المدن مع المدن الصينية التي أنشئت للغرض نفسه، وتحدثت عن الآثار السلبية التي بدأ المجتمع يواجهها هناك، فقد ساهمت في توسيع الفجوة التعليمية والاقتصادية والتكنولوجية بين سكانها وسكان المدن الأخرى، وعما إذا كنا في السعودية قد عملنا حساباً لذلك؟ كما تساءلت عن الهدف منها؟ وكان الجواب بأن الهيئة لا تتوقع أي سلبيات من هذا النوع، وأن هذه المدن هي تمثل تجربة اختبارية(Pilot Study)ففي حالة نجاحها سوف يعمد إلى تكرار تجربتها وفي حالة الفشل فإن الضرر محدود والخسائر محصورة.
سؤال آخر طرحه شاب عربي عن التأثيرات الاجتماعية المرتقبة لهذه المدن، نظراً لكونها تتمتع باستقلالية كبيرة عن الوزارات ودوائر الدولة الأخرى، وبالتالي فكيف ستكون قوانينها الاجتماعية مقارنة بالمدن السعودية؟ وقد ضرب مثالاً بحرم شركة أرامكو، فكان الجواب بأن حرم أرامكو هو مجرد مجمع بنته شركة من أجل موظفيها، في حين أن هذه مدن حية حقيقية ستتعايش فيها أطياف مختلفة من البشر.
وحين أتيحت لي لاحقاً فرصة قصيرة جداً للحديث مع معاليه وسألته عن السبب الذي يجعلنا نخلق مدناً من العدم بالأساس؟ هل وصلنا إلى مرحلة اليأس من مدننا بحيث إنها أضحت غير قابلة للإصلاح؟ فلو أننا ركزنا على تطوير بنية الدولة التحتية وأنظمتها القانونية والاجتماعية ككل كهدف للاستثمار ألا يكون ذلك أدعى للاستمرارية وللتقدم الحقيقي حتى لو تطلب ذلك وقتاً أطول؟ فجاوبني بأن كل ذلك مفهوم، ولكن هناك أكثر من عنق زجاجة في المدن الحالية وهذه الاستثمارات الجديدة والمشروعات الخلاقة بحاجة إلى مساحة حرة للتنفس.
خلال الأسابيع الفائتة تابعت باهتمام أكبر ما خطه الكتاب عن الهيئة في صحافتنا المحلية فوجدت بأن هناك نبرة غير راضية عما قد تحقق إلى الآن. فالدكتور علي الموسى كتب في (الوطن) متسائلاً عن أثر هذه المشروعات على المواطن البسيط الذي برأيه من الأولى للهيئة السعودية أن تتحدث له بدلاً من المحاضرات في الجامعات العالمية. كما كتب الدكتور عبدالله الفايز في (الاقتصادية) مقالاً بعنوان: (الهيئة العليا للاستثمار الأجنبي أم الوطني!): "اشتكت الغرف التجارية في المملكة من أن أكثر من 90 في المئة من الأعمال الاستشارية في المملكة التي تقارب قيمتها ملياري ريال هي من نصيب شركات أجنبية (..) بل إن هذه الشركات التي دخلت باسم الاستثمار الأجنبي أصبحت تحصل على تسهيلات وتأشيرات لا يحلم بها أصحاب المؤسسات أو الشركات الوطنية (..) جميع المدن الاقتصادية التي قدمتها لنا الهيئة وأبهرتنا بها هي أعمال تخطيط وتصاميم معمارية ودراسات قامت بها مكاتب أجنبية من سنغافورة وغيرها ولم يدخل فيها أي مكتب وطني. فهل هناك انعدام للثقة بمكاتبنا الوطنية؟ ومن سيشجع الاستثمار المحلي؟". أما مقال الأستاذ داود الشريان في (الحياة) فكان بعنوان (أضعف الإيمان من يراقب هيئة الاستثمار؟) خلص فيه إلى أن: "الأكيد أن الهيئة العامة للاستثمار تلعب دوراً سلبياً ضد شركات المقاولات الوطنية، فهي فتحت الباب على مصراعيه، وبلا ضوابط أو شروط، أمام بعض المقاولين الأجانب الذين لا خبرة مهمة لديهم، فأصبحت تمنحهم تسهيلات في التأشيرات، والتراخيص، وتتغاضى عن مستوى خبرتهم".
وبغض النظر عن مدى دقة ما جاء في هذه المقالات الثلاثة التي ركزت ربما على الجوانب السلبية فقط، فإنها تعكس حالة من عدم الرضا الشعبي، وهو أمر قد يكون سببه إما أفعال الهيئة نفسها أو ضعفها في التواصل مع الرأي العام المحلي.
من المعروف بأن الأسباب الرئيسية التي تجعل الدول تطوع قوانينها وتحرر تجارتها وتفتح أبوابها للمستثمر الأجنبي هو بالدرجة الأولى لخلق وظائف للمواطنين وبالتالي تقليل نسب البطالة، ولنقل الخبرات التكنولوجية والعلمية والصناعية إلى البيئة المحلية ولتوفير السيولة النقدية من أجل إقامة المشروعات العملاقة التي تحتاج البلاد. وما يتحقق ذلك عندنا فلا أعتقد بأن الكثيرين سينظرون إلى إنجازات الهيئة على النحو الذي يرضيها.. فالمواطن يريدها أن تجد حلولاً لمشكلاته هو أولاً قبل أن يكون مستعداً للتصفيق لإسهاماتها الحضارية من أجل خير ورخاء البشرية.[b][center]